حول اختطاف وإعدام الصحفي محمد المقري

تسع سنوات من الغموض والبحث تنتهي بإعلان مأساوي بعد اختفاء دام أكثر من تسع سنوات، أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، المصنف كجماعة إرهابية، إعدام الصحفي اليمني محمد المقري الذي كان مختطفاً في سجون التنظيم منذ أكتوبر 2015. هذا الإعلان أثار صدمة وأسى عميقين، حيث كان الأمل قائمًا في معرفة مصيره أو الإفراج عنه.

“وكان مرصد الحريات الإعلامية قد عمل منذ اختطافه على إصدار العديد من البيانات وإطلاق العديد من حملات المناصرة، بما في ذلك عقد جلسات استماع لشهود. وطالبنا في مجملها بضرورة الكشف عن مصير الصحفيين المخفيين قسرًا، ومن بينهم الصحفي محمد المقري، إذ تُعتبر هذه الجريمة واحدة من الجرائم التي تنتهك حرية الصحافة في اليمن.”

تفاصيل الاختطاف والانتهاكات كان محمد المقري يعمل مراسلًا لقناة “اليمن اليوم” عندما اختطفه مسلحو التنظيم يوم 12 أكتوبر 2015 بمدينة المكلا، أثناء سيطرة القاعدة على محافظة حضرموت. شملت موجة الاختطافات حينها صحفيين آخرين مثل أمير باعويضان وأمين الحامد، في إطار حملة قمعية استهدفت الصحفيين الذين غطوا احتجاجات شعبية ضد التنظيم.
تعرض المختطفون للتعذيب الوحشي والانتهاكات الجسيمة، ما يمثل انتهاكاً للفقرة (ب) من المادة 48 من الدستور اليمني والتي تحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية، وكذلك تمثل انتهاكاً  لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 والتي تتضمن عدداً من الأحكام التي تحظر على نحو قاطع المعاملة القاسية أو اللاإنسانية، والاعتداء على الكرامة الشخصية.

اقتحام المنزل وترويع العائلة لم تقتصر الانتهاكات على اختطاف المقري، بل شملت أيضًا اقتحام منزله أثناء غيابه. فقد داهم مسلحو التنظيم المنزل برفقة امرأة، وقاموا بنهب وثائق خاصة، بينها عقد زواج وصور شخصية. ورغم استغاثة زوجته التي كانت وحيدة مع طفلها الرضيع، تعامل المسلحون معها بوحشية ومنعوا أقاربها من دخول المنزل.

“تشكل ممارسة الاختفاء القسري العامة أو المنهجية جريمة ضد الإنسانية كما تم تعريفها في القانون الدولي المطبق وتستتبع العواقب المنصوص عليها في ذلك القانون.”

شهادات الناجين في إحدى جلسات الاستماع التي نظمها مرصد الحريات الإعلامية، قدم الناجي أمير باعويضان شهادات عن أساليب التعذيب الوحشية التي تعرض لها وزملاؤه، مثل الضرب، التعليق، والصعق الكهربائي، إضافة إلى استخدام التعذيب النفسي. وأشار إلى أن التنظيم نقلهم بين عدة مواقع معصوبي الأعين للتستر على أماكن الاحتجاز.
رغم الإفراج عن بعض الصحفيين، بقي المقري في قبضة التنظيم حتى الإعلان عن إعدامه بتهمة التجسس لصالح الأمن القومي، وهو اتهام نفت أسرته صحته جملةً وتفصيلًا.

أدانت منظمات حقوقية محلية ودولية الانتهاكات التي تعرض لها الصحفي محمد المقري، حيث عبّر الاتحاد الدولي للصحفيين عن استنكاره الشديد لإعدام المقري، معتبرًا ذلك ضربة قاسية لحرية الصحافة وللصحفيين حول العالم. وطالب الاتحاد بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة وتقديمهم للعدالة، كما دعا السلطات الفعلية والجماعات المسلحة إلى الإفراج الفوري عن جميع الصحفيين المحتجزين ظلمًا في أي مكان.

أزمة حرية الصحافة في اليمن وفقًا لتقارير منظمة “مراسلون بلا حدود“، يُعد اليمن أحد أخطر البلدان للصحفيين، حيث يحتل المرتبة 158 عالميًا. الصحفيون هناك يتعرضون لمخاطر كبيرة تشمل الاختطاف، التعذيب، والاغتيال على أيدي الحوثيين، القاعدة، وجهات أخرى.
بين عامي 2015 و2024، وثق مرصد الحريات الإعلامية نحو 2600 انتهاك بحق الصحفيين، معظمها ارتكبها الحوثيون، يليهم تنظيم القاعدة والحكومة الرسمية.

ختام يمثل اختطاف وإعدام محمد المقري جريمة خطيرة وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وحرية الصحافة. استمرار هذه الانتهاكات يعكس البيئة الخطرة التي يعمل فيها الصحفيون في اليمن، مما يتطلب تضامنًا دوليًا أقوى لضمان العدالة وحماية الصحفيين.