قضية الصحفي أحمد ماهر: محاكمة تعكس الانتهاكات الجسيمة لحرية الصحافة

في 6 أغسطس 2022، تعرض الصحفي اليمني أحمد ماهر للاعتقال التعسفي من منزله بمحافظة عدن على خلفية نشاطه الإعلامي وانتقاده للأوضاع المعيشية والأمنية في المناطق الجنوبية. لم يكتفِ أفراد الأمن باعتقاله، بل منعوا عائلته من زيارته واعتدوا على والده المريض بالسكري، فيما أُخفي قسرًا لمدة شهر قبل ظهوره في مقطع فيديو مسجَّل تحت الإكراه، يُملى عليه الإدلاء باعترافات تتهمه بأعمال عدائية تهدد أمن الدولة.

اختلالات قانونية:

خلال احتجازه، عانى ماهر من أشكال متعددة من التعذيب، شملت الصعق الكهربائي والضرب بأعقاب البنادق والتهديد بالإعدام، فضلًا عن سوء المعاملة داخل المعتقل. كما واجه شقيقه نفس المعاملة التعسفية، حيث تم اعتقالهما معًا والاعتداء عليهما لإجبار ماهر على التوقف عن انتقاد قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.

بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على اعتقاله، أُحيل ملف أحمد ماهر إلى المحكمة الجزائية المتخصصة، التي لا تختص بقضايا الإعلام والنشر. ورغم وعود النيابة بالتحقيق العادل، تعرقلت المحاكمة بفعل تأجيل 17 جلسة من أصل 30، مع رفض المحكمة لطلبات الدفاع المتعلقة بفحص آثار التعذيب وتوكيل خبراء قانونيين.

في أول جلسة محاكمة، كان من المفترض أن يتمتع أحمد ماهر بحقه في تقديم الأدلة وتوكيل الخبراء لفحص آثار التعذيب التي تعرض لها. رفض القاضي لهذا الطلب يعد انتهاكًا آخر للحقوق الأساسية للمحتجزين ويعكس قصوراً في تطبيق العدالة.

وأصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في 28 مايو 2024 بمدينة عدن حكمًا بسجن الصحفي أحمد ماهر لمدة أربع سنوات بتهمة تشكيل جماعات مسلحة، وهي تهمة لم تستطع المحكمة إثباتها بالأدلة الملموسة.

الصحفي ماهر من أكثر الصحفيين الذين ركزوا عملهم على الانتهاكات التي تمارسها القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من خلال كتاباته الصحفية عبر المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي وأيضًا عبر المقابلات في القنوات الفضائية وهو ما يعتقد أنه السبب الرئيسي في إصدار مذكرة اعتقال بحقه في عام 2019، حينها غادر عدن وعاد إليها بعد ثلاث سنوات بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في السابع من أبريل ٢٠٢٢، تم اعتقاله في أغسطس 2022

مطالبات عدة من قبل منظمات حقوقية محلية ودولية مهتمة بحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان بسرعة التحقيق في قضية ماهر أو الإفراج عنه فورًا، نتج عنها تحويل ملف الصحفي ماهر للمحكمة الجزائية المتخصصة على الرغم من عدم اختصاصها في قضايا الإعلام والنشر وحددت أول جلسة في تاريخ 14 كانون الأول/ ديسمبر 2022 إلا إنها أُجلت ولم يتم انعقاد الجلسة بسبب عدم إحضار المساجين للمحكمة، وأجلت الجلسة إلى 19 كانون الأول/ ديسمبر ثم إلى 21 ثم إلى 26 من الشهر ذاته.

حرمان من الحقوق:

تميزت قضية الصحفي أحمد ماهر بالتأخير والتأجيل والعديد من المخالفات القانونية. حيث تم اعتقاله وتعذيبة ومنعت أسرته من زيارته، وحُرم من حقه القانوني في تعيين محامي للدفاع عنه لمدة تقارب العام، قبل أن يُسمح له بذلك. وعندما وجدت السلطات الأمنية في مدينة عدن نفسها غير قادرة على مواجهة الحقائق والدعاوى المرفوعة من قبل المحامي سامي ياسين، الذي تم اعتقاله من قبل القوات الجنوبية في عدن والافراج عنه بعد ما يقارب العام.

شقيق أحمد ماهر أكد لفريق المرصد أنه تم اعتقالهما هو وأخوه أحمد ماهر من أمام المنزل من قبل خمسة أطقم عسكرية مدججة بالسلاح تابعة لشرطة دار سعد، وتم إخفاؤهما وتعذيبهما، وطلب من أحمد التوقف عن كتابة منشورات ومقالات تستهدف قيادة المجلس الانتقالي وقواته، وبعد رفضه لطلبهم قاموا بتهديده بقتلي وقتل أبي الذين قاموا بحبسه أيضًا لمدة أربع ساعات، وتم ضربي أمامه، وكان يمنع عنه الأكل والشرب لمدة يوم أو يومين.

ممارسات تعسفية:

تعرض أحمد ماهر وشقيقه لأنواع مختلفة من التعذيب في المعتقل، حيث تم تعذيبهما بالكهرباء والضرب بأعقاب البنادق، وكان يتداول على ضربهما أربعة إلى خمسة أشخاص كما تم تهديدهما في أوقات عديدة بالإعدام، وقام الجنود بضرب الرصاص تحت أقدامهما وفوق رؤوسهما من أجل تخويفهما وعيونهما مغطاة، ويقول شقيق ماهر: ” في بعض الأوقات كان يتم كتم أنفاسنا بقطعة قماش مبلولة ويقومون بصب الماء على قطعة القماش التي تغطي الوجه والفم.”

وأضاف: ممارسات التعذيب التي تعرض لها أحمد بشكل مستمر جعلته يعترف بكل ما طلب منه، حيث ظهر أحمد ماهر في مقطع فيديو يدلي باعترافات تدينه وهو تحت الإكراه.

ووجه الصحفي أحمد ماهر رسالة خطية من داخل السجن (بير أحمد) المعتقل فيه بعدن، أوضح فيها أن جميع التهم التي وجهت له باطلة ولا أساس لها من الصحة وأنها تمت تحت التعذيب حتى إن النيابة الجزائية أخذت أقواله من مقر التعذيب، وطالب في الرسالة بالتحقيق في كل الانتهاكات التي تعرض لها منذ اعتقاله، وأيضًا حقه في الحصول على محاكمة عادلة ونقله من سجنه لحضور جلسات المحاكمة.

تعطيل سير العدالة:

إجراءات غير قانونية ومخالفة للقوانين اليمنية والقانون الدولي لحقوق الإنسان صاحبت فترة اعتقال وإخفاء وتعذيب الصحفي أحمد ماهر، حيث ظهر في فيديو يدلي باعترافات تحت الإكراه وهو يُملى عليه للإدلاء باعترافات تدينه بأعمال عدائية تخل بأمن الدولة، ومن ثم تحويل ملفه للمحكمة الجزائية المتخصصة بمحافظة عدن وهي غير مختصة بقضايا النشر، وحتى كتابة هذه المادة ما تزال الأجهزة الأمنية والقضائية تماطل في بدء محاكمته فقد تم تأجيل أربع جلسات لمحاكمته كانت مقررة للتحقيق معه خلال شهر ديسمبر.

وعند الرجوع للقوانين المحلية، يتضح أن الجهات الأمنية أقدمت على اعتقال الصحفي أحمد ماهر بطريقة تخالف المادة الـ (29) من قانون الإجراءات الجزائية لسنة 2011، والذي ينص على أنه “لا يجوز القبض على أحد أو حبسه إلا بأمر من الجهة المختصة بذلك قانونًا، كما تجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز إيذاءه بدنيًا أو معنويًا”، ولم تكتفِ الجهات الأمنية باعتقاله فقط ، بل قامت بتعذيبه، ثم عمدت على إظهاره في فيديو وهو يدلي باعترافات تحت الإكراه وآثار التعذيب واضحة على جسمه، وعند الرجوع للفيديو الذي تم نشره فإنه يتأكد لنا أنه تم نشره بدون مسوغ قانوني وخارج التحقيق وجمع الاستدلالات المعتمدة والذي يهدف بشكل رئيسي لاستمرار اعتقال الصحفي ماهر بعد مرور شهر على اعتقاله من قبل الأمن والتي تعتبر جهة غير مخولة باحتجاز أي شخص أكثر من 24 ساعة ويتم إخلاء سبيله أو رفع القضية للنيابة إذا توفرت أدلة كافية وعدم جواز حبسه لأكثر من سبعة أيام دون الحصول على أوامر قضائية بالتمديد لضرورة التحقيق، حسب قانون الإجراءات الجزائية اليمني”.

تاخر عرضة على المحكمة:

مازن سلام وهو محامي الصحفي ماهر أكد لنا أن جميع الإجراءات التي اتخذت ضد الصحفي أحمد ماهر كانت مخالفة للقانون الوطني والقوانين الدولية لحقوق الإنسان، بدءًا من طريقة الاعتقال والإخفاء القسري وظهوره في فيديو يدلي باعترافات تحت الإكراه، وأخيرًا تحويل ملفه للمحكمة الجزائية المتخصصة بمحافظة عدن وهي غير مختصة بقضايا النشر.

سلام اعتبر تجاوز الجهات الأمنية للإجراءات القانونية دليلًا على عدم وجود إنصاف للصحفي ماهر منها عدم السماح له بتوكيل محامٍ ومقابلة أسرته وأيضًا عدم تمكينه من تقديم الأدلة والردود ضد التهم الموجهة له، إلى جانب تأخر عرض ملف القضية على النيابة العامة عن المدة المحددة قانونًا، كل هذا يعتبر إدانة للجهة التي تباشر التحقيق وجمع الاستدلال وإنها غير صحيحة.

وحمّل المحامي السلطات الأمنية والقضائية عرقلة محاكمه موكله التي لم تعقد جلسة محاكمة واحدة حتى نهاية ديسمبر 2022. وأنه خلال أسبوعين تم تأجيل قضية ماهر أربع مرات تحت مبررات عدة من المحكمة وإدارة سجن بير أحمد من بينها عدم توفر وقود لسيارة السجن لإحضار السجناء، معتبرًا هذا التعنت من قبل السلطات الأمنية تجاه قضايا المساجين وعدم الامتثال للمنظومة القضائية التي أدت الى تفاقم مشكلة عرقلة إحضار المساجين من السجون التي يقبعون بها في مواعيد جلساتهم المقررة ومحصلة ذلك بطء أداء المنظومة العدلية وتطويل الإجراءات وعدم الفصل بالقضايا وزيادة معاناة المساجين وذويهم التي تزايدت خلال الفترات الماضية.

خمسة أشهر حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2022، والسلطات الأمنية في عدن ترفض عرض الصحفي أحمد ماهر على القضاء بل أصرت على اختراق القانون ومواصلة اعتقاله في أحد السجون الأمنية دون محاكمة، على الرغم من توجيه رئيس المجلس الرئاسي بسرعة التحقيق في قضية الاعتقال، ووعود رئيس النيابة الجزائية المتخصصة في عدن بتحويل ملف القضية للقضاء.

إدانات محلية ودولية:

أصدرت الكثير من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية بيانات وادانات الممارسات التعسفية بحق الصحفي احمد ماهر، والتي كان اخرها اصدار حكمًا بسجنه لمدة أربع سنوات.

أثار هذا الحكم موجة من الانتقادات من قبل منظمات محلية ودولية، التي أعربت عن إدانتها الشديدة واعتبرته تهديدًا لحرية الرأي وتأكيدًا على النهج الأمني في التعامل مع الصحفيين. كما وصفت الحكم بأنه انحراف خطير عن مسار العدالة، مطالبة بإلغائه والإفراج الفوري وغير المشروط عن أحمد ماهر.

اما لجنة الخبراء الدوليين وعبر تقريرها الصادر في نوفمبر 2023 التابعة لمجلس الأمن والذي يشير إلى قضية أحمد ماهر كنموذج للاعتقال والإخفاء القسري يعكس حجم انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الصحفيون والنشطاء السياسيون في ظل الظروف الراهنة. هذه المعطيات تدق ناقوس الخطر بشأن ضرورة إعادة تقييم الوضع الحقوقي في المناطق الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي وضمان حماية حرية التعبير وحقوق الأفراد.