التقرير السنوي لحريات الرأي والتعبير في اليمن 2023

على مدى السنوات التسع الأخيرة، وثق مرصد الحريات الإعلامية في اليمن، التابع لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، الآلاف من حالات الانتهاكات ضد الصحفيين والناشطين الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية والعاملين فيها، والتي وصلت إلى أكثر من ألفين وخمسمائة وخمسة عشر انتهاكًا، من بينها 54 حالة قتل لصحفيين، بينهم صحفيتان، والمؤسف أنه في جميع الحالات يفلت الجناة من المساءلة والعقاب!

ساهمت تلك الانتهاكات في تضييق مساحة الحريات الإعلامية بصورة لافتة، والتي تكشفها نتائج الرصد، فقد اختفى التنوع الإعلامي وهامش الحريات الذي كان موجودًا قبل الحرب الراهنة في اليمن، واختفت الصحافة الورقية في مناطق سيطرة جماعة “أنصار الله” الحوثيين عدا عدد محدود من الصحف المحسوبة عليها أو التي تدور في فلكها. وانسحبت عمليات التضييق على الحريات الإعلامية وعلى كافة الممتهنين للعمل الإعلامي الذين وجدوا أنفسهم إزاء خيارات صعبة إما العمل في وسائل إعلام تتبع الجماعة أو مغادرة مناطقها، أو الانصراف عن العمل الإعلامي، وكذلك تفتقر مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا لوجود صحافة مستقلة ومتنوعة الآراء والتوجهات، وباستثناء نماذج محدودة فإن السائد يعد إعلامًا تعبويًا حربيًا إما تنخرط فيه، أو تصبح عاطلًا ومنبوذًا وربما تلاحق لو اخترت العمل بطريقتك.

ولم يعد بمقدور الكثير من الصحفيين في اليمن التنقل بسهولة ونقل الحقائق بعيدًا عن التأثير، والاستقطاب، والخوف من البطش. كما ساهمت فترة الصراع بظهور قنوات وصحف ومواقع إخبارية ممولة من هذه الجهة أو تلك سواء داخل اليمن أو خارجها، ما أدى إلى تفشي الشائعات والأخبار المضللة التي تفاقم من الصراع وتعمق حالة الانقسام المجتمعي.

ومن خلال مراقبتنا ورصدنا لواقع الحريات الإعلامية في اليمن تتضح للجميع حقيقة صادمة بأن جميع أطراف الصراع تتفق من خلال ممارساتها على إسكات الصحافة، ومنع الصحفيين من ممارسة عملهم بحرية، وهو ما فاقم الوضع الاقتصادي لدى الكثير من الصحفيين، وجعلهم يتركون مهنة الصحافة وينتقلون لأعمال خارج مهنتهم الصحفية. وهو الأمر الذي جعلنا ندعو الصحفيين إلى سرعة توحيد صفوفهم من أجل الدفاع عن قضاياهم بعيدًا عن الانتماءات السياسية واستقطاب أطراف الصراع.

ولم تكن الصحفيات اليمنيات  – رغم محدودية عددهن – بمنأى عن الاستهداف الممنهج  بمختلف الأساليب والطرق التي تنوعت ما بين القتل بوحشية، والاعتقال، والاعتداء اللفظي والجسدي، ناهيك عن الابتزاز والتنمر والخوض في أعراضهن وتشويه سمعتهن عبر المنصات الإلكترونية والإعلامية المختلفة، وهو ما أدى إلى دخول العديد من الصحفيات في وضع نفسي وإنساني صعب، وأعاق بصورة ملموسة الصحفيات عن ممارسة عملهن الصحفي بكل حرية مما جعل الكثير من الصحفيات يتوقفن عن عملهن أو يلتزمن الصمت ، الأمر الذي جعل الأطراف تتمادى في التجاوزات والإساءات بحق الصحفيات دون الخوف من العواقب .

في هذا التقرير السنوي لعام 2023، نضعكم أمام صورة متكاملة للمشهد الإعلامي في اليمن، نهدف من خلالها إلى تقييم حالة حرية الإعلام، وتوثيق الانتهاكات التي تمارس ضد الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، للإسهام في إنهاء حالات الإفلات من العقاب.

ومن المهم ألا يقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي إزاء استمرار ممارسة هذه الانتهاكات ضد الصحفيين، ولابد من تكثيف الجهود على المستوى المحلي والدولي للحد من المعاناة التي يتعرض لها الصحفيون والتصدي لمرتكبي الانتهاكات لكي لا يفلت المجرمون من العقاب، وإرسال تحذير واضح للجناة – من جميع الأطراف – بأنهم سيحاسبون على هذه الجرائم التي لا تسقط بالتقادم وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

لا شك بأن جهود المجتمع الدولي مؤثرة وقد تسهم في تكرار الصور المفرحة التي رأيناها سابقًا في استقبال عدد من الصحفيين أثناء خروجهم من السجون ضمن صفقة تبادل أسرى، رعتها الأمم المتحدة.

ونحن نضع بين يديكم هذا التقرير السنوي فإننا نعبر عن تقديرنا لشركائنا في السفارة الهولندية في اليمن ووزارة الخارجية الهولندية لدعهم المتواصل للصحفيين اليمنيين والعمل المشترك من أجل الحريات الصحفية في اليمن.

ولا يفوتني أن أعبّر عن التقدير لفريق مرصد الحريات الإعلامية في اليمن، وكافة الشركاء في المحافظات اليمنية، والصحفيين والصحفيات ونشطاء التواصل الاجتماعي داخل اليمن وخارجه.

للاطلاع على التقرير كاملاً أضغط هنا